تحول تاريخي في مناسك الحج.. هكذا سيبدو موسم 2025 في المملكة

في تحول غير مسبوق يعيد صياغة أحد أقدس التقاليد الإسلامية، بدأ موسم حج 2025 هذا العام بمجموعة من الإصلاحات الكبرى التي تمس هيكل التجربة التنظيمية والروحية على حد سواء.
إقرأ ايضاً:النجوم تغادر الفريق…محترف جديد قد يغادر صفوف أهلي جدةمن عرفات إلى مزدلفة.. الحجاج يواصلون الركن الأعظم وسط أجواء روحانية وإشراف متكامل
من حظر اصطحاب الأطفال، إلى منح الأولوية للحجاج لأول مرة، مرورا بتقنيات الذكاء الاصطناعي، ووصولا إلى تدشين أكبر نظام تبريد في العالم داخل المسجد الحرام—كلها تغييرات تعكس رؤية شاملة لإعادة تنظيم واحدة من أعظم الشعائر الدينية في الإسلام.
نقلة نوعية في شعيرة الحج
تستقبل المملكة العربية السعودية سنويًا ما يقرب من مليوني مسلم لأداء فريضة الحج، أحد أركان الإسلام الخمسة. ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة تايم الأمريكية، فإن موسم حج هذا العام يفتتح بمزيج من التجديد الروحي والتطور التكنولوجي، في محاولة لمواءمة قدسية الشعيرة مع متطلبات الواقع العصري وظروف المناخ.
حظر الأطفال.. قرار مثير للجدل بدوافع أمنية
أحد أكثر التغييرات إثارة للنقاش كان قرار وزارة الحج والعمرة بمنع اصطحاب الأطفال خلال مناسك الحج. يأتي القرار في أعقاب وفيات تجاوزت 1300 حاج في موسم 2024، معظمها نتيجة الإجهاد الحراري والازدحام، بحسب تصريحات رسمية.
الشيخ وليد بسيوني، رئيس معهد المغرب وأحد القيادات الميدانية للحج، قال إن القرار "فاجأ الكثيرين وأثار صدمة"، إلا أنه أشار إلى إمكانية إعادة النظر فيه مستقبلًا عندما تنخفض درجات الحرارة، خاصة وأن موسم الحج يتنقل عبر الفصول تبعًا للتقويم القمري.
ورغم أن الحد الأدنى للعمر لم يحدد بشكل قاطع، فإن التقارير تشير إلى منع من هم دون 12 أو 15 عامًا. القرار ينهي تقليدا عائليا راسخا يقوم على أداء الحج بصيغة متعددة الأجيال.
الأولوية للحجاج لأول مرة.. عدالة تنظيمية جديدة
في خطوة تعد سابقة، بدأت السلطات السعودية هذا العام تطبيق سياسة تمنح الأولوية في التقديم للحج لأولئك الذين لم يسبق لهم أداء الفريضة. هذا التغيير يهدف إلى معالجة التفاوتات التي طالما منحت الأفضلية لأثرياء الدول الغنية على حساب مواطني الدول النامية الذين ينتظرون سنوات.
السياسة الجديدة توازن بين الاعتبارات اللوجستية والعدالة الدينية، وتفتح المجال أمام المزيد من المسلمين لتحقيق حلم الحج لأول مرة في حياتهم.
ذكاء اصطناعي وطائرات بدون طيار في خدمة الأمن
من الناحية الأمنية، شهد موسم حج 2025 تصعيدا تقنيا لافتا، إذ استخدمت قوات الدفاع المدني طائرات مسيرة مدعومة بالذكاء الاصطناعي تعرف باسم "صقر". تمت برمجة هذه الطائرات لرصد الحشود باستخدام التصوير الحراري، وتحديد الحجاج غير المصرّح لهم، ضمن حملة "لا حج بدون تصريح".
ومنذ أبريل الماضي، قُصر الدخول إلى مكة المكرمة على الحجاج الحاملين لتأشيرات رسمية أو تصاريح معتمدة. وقد أعادت السلطات ما يقرب من 269 ألف شخص حاولوا دخول المدينة دون تصاريح.
تبريد هوائي عملاق لمواجهة حرارة مكة
في استجابة للارتفاعات الحادة في درجات الحرارة، التي تجاوزت 50 درجة مئوية في مواسم سابقة، أطلقت المملكة أكبر نظام تبريد متكامل في العالم داخل المسجد الحرام، بسعة تبريد تبلغ 155 ألف طن.
ولم تتوقف الجهود عند هذا الحد، بل شملت نشر أكثر من 400 محطة تبريد موزعة على مسارات الحجاج، وتوسيع المساحات المظللة لتغطي 50,000 متر مربع، إلى جانب نشر آلاف الفرق الطبية في النقاط ذات الكثافة العالية.
توحيد صلاحيات التأشيرات وتشديد الدخول
ضمن السياسات الجديدة، تم توحيد صلاحية تأشيرات الحج بحيث تنتهي جميعها في 10 محرم 1447هـ (6 يوليو 2025)، في إجراء يهدف إلى تنظيم المدة الزمنية وتقييد الحج غير الرسمي.
كما شُددت القيود على بعض الجنسيات، من بينها العراق، المغرب، وباكستان، إذ لا يسمح لمواطنيها الآن بالدخول إلا بتأشيرة حج لمرة واحدة، بعد أن كانت التأشيرات المتعددة تستخدم لأداء الحج دون تصريح مباشر.
تحول استراتيجي نحو حج آمن وعادل ومستدام
ويؤكد الشيخ بسيوني أن "الفقه الإسلامي يُجيز للسلطات فرض قيود على أداء الشعائر في حال وجود مصلحة عامة واضحة، كما حدث خلال جائحة كوفيد-19 حين فُرضت شروط التطعيم". ويضيف: "الهدف الأسمى من هذه الإصلاحات هو سلامة الحجاج وكرامة الفريضة".
خاتمة: بداية عهد جديد للحج
موسم حج 2025 لا يمثل مجرد تحسينات تنظيمية، بل يجسد مرحلة انتقالية نحو مستقبل أكثر أمنًا وعدالة واستدامة. المملكة العربية السعودية، عبر هذه الإصلاحات والابتكارات، تعيد تعريف تجربة الحج بما يلائم التحديات المناخية والضغوط البشرية، دون أن تمس جوهر هذه الفريضة المقدسة.